هل عاد صلاح قوش إلى السودان؟ بين الصمت الثقيل والظل الطويل

رغم غيابه الطويل عن المشهد العلني، لم يغِب اسم الفريق أول مهندس صلاح قوش عن خلفية السياسة السودانية، حيث ظل محاطًا بالهالة والجدل والصمت المدروس.

 

منذ سقوط نظام الإنقاذ، لم يتوقف تداول اسم صلاح قوش، ما بين من وصفه بـ”الصندوق الأسود” و”مهندس التغيير”، ومن اعتبره “الخائن” الذي انقلب على حزبه، مقابل من رآه رجل دولة قدّم الوطن على التنظيم.

 

ومنذ مغادرته البلاد عقب استقالته عام 2019، التزم صلاح قوش صمتًا مطبقًا زاد من غموضه، حتى أعيد اسمه فجأة إلى الواجهة مجددًا عبر تسريبات صحفية تتحدث عن زيارة غير معلنة لبورتسودان، دون تأكيد رسمي أو نفي واضح، ما جعل الرواية تتأرجح بين العودة الحقيقية والشائعة المدروسة.

 

إذا كانت الزيارة حقيقية، فإن التوقيت وحده يكفي ليمنحها دلالات عميقة، في ظل ترتيبات أمنية وسياسية حساسة تشهدها البلاد. العودة الصامتة لشخصية مثل صلاح قوش قد ترتبط بملفات أمنية معقدة، أو بتفاهمات لم تُعلن بعد بينه وبين مراكز القرار العسكري أو المدني.

 

صمته المتواصل، والمكانة الرمزية التي يحتلها صلاح قوش داخل المؤسسة الأمنية، وعلاقاته الدولية المتينة، كلها تجعل من ظهوره – حتى من خلف الستار – علامة على تغيير محتمل في المعادلات.

 

لكن، إن كانت الزيارة مجرد شائعة محسوبة، فإن إثارة اسم صلاح قوش بحد ذاتها ليست عبثية. فمن المؤكد أن طرح اسمه الآن يسعى إلى قياس ردود الفعل داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، أو ربما توجيه رسائل مبطنة للداخل والخارج على حد سواء، في ظل مناخ سياسي شديد التوتر والانقسام.

 

السؤال الأهم في الحالتين: هل لا يزال صلاح قوش مؤثرًا؟ وهل الظرف الحالي – محليًا وإقليميًا – يسمح بإعادة تدوير شخصية بحمولة رمزية وأمنية كثيفة مثله؟ أم أن مجرد التلويح باسمه هو محاولة لإرباك الحسابات، أو التلويح بورقة لم تُستخدم بعد؟

 

توقيت عودة اسم صلاح قوش يتقاطع مع مرحلة تشهد فيها الساحة السودانية ضغطًا خارجيًا متصاعدًا نحو حل سياسي مُدار دوليًا، وتعيين رئيس وزراء مدني بشروط تتسق أكثر مع أجندات خارجية.

 

وفي مثل هذا السياق، تبدو شخصية مثل صلاح قوش – بخبرته في مخاطبة الغرب وإدارته لعلاقات استخباراتية معقدة – خيارًا محتملًا في حسابات بعض الفاعلين الدوليين، أو على الأقل ورقة ضغط احتياطية في حال تعثرت المسارات الراهنة.

 

في خلاصة الأمر، سواء كانت عودته واقعية أو شائعة مدروسة، فإن مجرد تداول اسم صلاح قوش بهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت، يكشف أن البلاد لا تزال أسيرة معادلات لم تُحسم بعد، وأن النخب القديمة لا تزال تلقي بظلالها الكثيفة على مشهد يبدو في ظاهره جديدًا، لكنه في عمقه محكوم بأوراق قديمة لم تُطوَ بعد.

وهنا، تبرز الأسئلة الأهم:

هل أزمة السودان في الأسماء، أم في غياب البدائل؟

 

وهل نملك حقًا خريطة طريق دون الرجوع إلى “أوراق الدولة العميقة”؟

 

وهل صلاح قوش عائد، أم أن مجرد ظله كافٍ ليربك الجميع؟

محمد الكناني

Share This Article