في ظل الظروف المتقلّبة التي تعيشها البلاد، تبرز النقابات المهنية كأحد أعمدة التماسك الاجتماعي والديمقراطي، ونقابة الصحافيين السودانيين تحديدًا تقف في واجهة هذا المشهد، لا باعتبارها مجرد كيان مهني، بل كصوتٍ مدافع عن حرية التعبير، وكرامة الكلمة، وحق الجمهور في المعرفة. ورغم أهمية هذا الدور، تُواجه النقابة باستمرار محاولات للترهيب، وحملات تجريم تُمارَس ضد أعضائها، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا هذا الإصرار على كسر استقلاليتها؟ وما الذي يُخيف من نقابة تمثل الصحافيين لا الأحزاب؟
الاستقلالية ليست ترفًا بل ضرورة
استقلال نقابة الصحافيين ليس ترفًا تنظيميًا، بل شرط أساسي لضمان استمراريتها وفاعليتها. فعندما تتحول النقابة إلى أداة بيد سلطة سياسية أو عسكرية، تفقد قدرتها على تمثيل الصحافيين بشكل حقيقي. تصبح قراراتها مرهونة بإرادة خارجية، ومواقفها مجاملة لمصالح لا علاقة لها بالمهنة ولا بالقيم الصحفية. هذا التداخل يُضعف النقابة ويُفرّغها من مضمونها، ويُحوّلها من درع واقٍ للصحافيين إلى أداة صمت وتخويف.
من حق الصحافي أن يختار نقابته
من أبسط حقوق الصحافي أن يختار نقابة مستقلّة تعبّر عنه وتحمي مصالحه دون أن يُواجَه بالتشكيك أو يُتهم بالانتماء لجهة سياسية ما. المطالبة بنقابة مهنية مستقلة لا تعني الانحياز السياسي، بل تعني الانحياز للمهنة وللقيم التي يقوم عليها العمل الصحفي. ومن الخطأ أن تُحسب هذه المطالب على أي تيار سياسي. قوة النقابة تنبع من استقلاليتها، وكلما حافظت على هذا الاستقلال، كانت أقدر على الدفاع عن أعضائها والمساهمة الفاعلة في بناء الدولة.
النقد حالة صحية لا تُقمع
النقد الموجّه من عضوية النقابة، سواء كان على أداء مجلسها أو سياساتها العامة، هو حالة صحية ودلالة على وعي مهني ومشاركة حقيقية. وهو تعبير مشروع عن تطلعات القاعدة الصحافية. يجب أن تحرص النقابة على خلق مناخ إيجابي يتيح هذا النقد، ويحتويه في إطار ديمقراطي يحترم التعدد، ويُسهم في تطوير العمل النقابي. النقابة القوية لا تُقصي صوتًا ناقدًا، بل تُصغي له وتتفاعل معه لصالح المهنة.
التصويت من أجل البقاء على الاستقلال
مثلما صوّت الصحافيون في وقت سابق من أجل نقابة حرة ومستقلة، فمن حقهم اليوم، في ظل هذا الواقع المليء بالاستقطاب، أن يُمارسوا ذات الحق في التصويت والتصويب لأجل الحفاظ على استقلالها. إن دعم النقابة لا يعني تأييدًا لأفراد، بل هو حماية للكيان الذي يُعبّر عن تطلعات الصحافيين ويساهم في دعم أصواتهم ضمن أي حراك يدفع باتجاه بناء صحافة حقيقية، تضمن حرية التعبير وحرية الرأي.
الضمان الوحيد: الاستقلالية
حتى تظل نقابة الصحافيين السودانيين قادرة على الاستمرار والقيام بدورها الوطني والمهني، لا بد أن تُحصّن استقلالها، بعيدًا عن الاستقطاب السياسي أو الإملاءات العسكرية. هذا لا يعني الانغلاق أو الحياد السلبي، بل يعني الدفاع عن المهنة من موقع مستقل، والاصطفاف مع الحق، أياً كان مصدره.
إن الحفاظ على استقلالية النقابة هو في جوهره دفاع عن مستقبل الصحافة في السودان، عن جيل قادم من الصحافيين لا يُراد له أن يعرف معنى الكلمة الحرة أو الموقف المهني النزيه.
ختامًا:
السؤال الحقيقي ليس “لماذا يُصر الصحافيون على نقابتهم المستقلة؟” بل “لماذا يُصر البعض على تكميمها؟”
إن محاولات الترهيب والتجريم، مهما اشتدت، لن تُلغي الحقيقة البسيطة:
لا حرية بدون صحافة، ولا صحافة بدون نقابة حرة ومستقلة
ناهد ادريس